سلسلة هل تعلم حلقات الموسم الثالث - إعداد وتقديم فضيلة الشيخ الدكتور محمد الأخرس

هل تعلم أن إغاثة الملهوف وإجابة المستغيث لهو دليل على قوة الإيمان وصدق الإخاء؟


هل تعلم أن إغاثة الملهوف وإجابة المستغيث لهو دليل على قوة الإيمان وصدق الإخاء؟
الموسم الثالث - الحلقة التاسعة عشرة
إعداد وتقديم الشيخ الدكتور محمد الأخرس

إنَّ الوقوفَ مع حاجاتِ المنكوبينَ والعَيْشَ مع معاناةِ الآخرين وإغاثةَ الملهوفينَ وإعانةَ المحتاجينَ خُلُقٌ عربيٌّ نبيلٌ ومبدأٌ إسلاميٌّ أصيلٌ، تقتضيهِ الأُخوةُ الصادقةُ، وقد اشتهرَ رسولُ الأمةِ ونبيُّ الهدايةِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم بهذا الخلقِ قبلَ بعثتِهِ.
فلمَّا نزلَ عليهِ الوحيُ وذهبَ إلى السيدةِ خديجةَ رضيَ اللهُ عنها قالت له: "أَبْشِرْ فَوَاللَّهِ لا يُخْزِيكَ اللَّهُ أَبَدًا، فَوَاللَّهِ إِنَّكَ لَتَصِلُ الرَّحِمَ وَتَصْدُقُ الْحَدِيثَ وَتَحْمِلُ الْكَلَّ- أيِ التَّعِبَ -وَتَكْسِبُ الْمَعْدُومَ وَتَقْرِي الضَّيْفَ- أي تُكرمُهُ -وَتُعِينُ عَلَى نَوَائِبِ الْحَقِّ- أي إذا وقعت نائبةٌ لأحدٍ في خيرٍ أعنتَ فيها-، وقمتَ مع صاحبِها حتى يجدَ سدادًا من عيشٍ، أو قوامًا مِنْ عيشٍ" رواهُ البخاريُّ. فمن يصنعُ المعروفَ يحفظُهُ اللهُ تعالى.
وقد حثَّ الإسلامُ على القيامِ بهذا الخلقِ، وجعلَهُ مِنْ أعمالِ الخيرِ التي يتنافَسُ فيها المتنافسونَ، ففي الحديثِ: "من كانَ في حاجةِ أخيهِ كانَ اللهُ في حاجتِهِ" متفقٌ عليهِ، أي مَنْ كانَ في حاجةِ أخيهِ اللهُ يُعطيهِ أجرًا كبيرًا.
بل رأينا رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم يأمرُ المسلمينَ بإغاثةِ الملهوفينَ، فحينَ نهاهُم عن الجلوسِ في الطرقاتِ إلا إذا أعطوا الطريق حقَّها، بيَّنَ لهم أنَّ مِن حقِّ الطريقِ إغاثةَ الملهوفِ.
فكم نحنُ بحاجةٍ أن نستشعرَ هذه المبادئَ، ونعزِّزها في زمَنٍ تعالَتْ فيهِ صرَخاتُ اليتامى، وسُمِعت فيه تأوُّهات الثَّكالَى! ما أجملَ أن نتحدَّثَ عن إغاثةِ الملهوفِ، وتفريجِ المكروبِ!
إن إغاثةَ الملهوفِ معناها أن تتقدمَ بدونِ أن تسمعَ صرخاتِ الاستغاثةِ، معناها أن تُبادرَ قبلَ أن يُطلبَ منك، وقبلَ أن يُكلفَك أحدٌ، وهذه هي المروءة كما علمنا إياها أنبياءُ اللهِ عليهمُ الصَّلاةُ والسَّلامُ، فهذا نبيُّ اللهِ موسى عليه السَّلام يرى الرعاةَ يتوافدونَ على الماءِ لسقايةِ مواشِيهم ورأى فتاتينِ تتأخرانِ عن السقايةِ فبادرَ هو لإغاثةِ الملهوفِ قبلَ أن يُطلبَ منهُ عليه السَّلامُ وسقى لهم وتولى بعدَ ذلكَ ليستريحَ بالظلِّ.
ولكي يُحفِّزَ النبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم على الالتزامِ بهذا الخلقِ وغرسِه في نفوسِ المسلمينَ جعلَهُ صدقةً من الصدقاتِ حيثُ قالَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم: "على كُلِّ مسلمٍ صدقةٌ" قالوا: يا نبيَّ اللهِ! فمن لم يجِدْ؟ قالَ: "يعمَلُ بيدِهِ ويتصدَّقُ" قالوا: فإنْ لم يَجِدْ؟ قالَ: "يُعينُ ذا الحاجةِ المَلهُوفِ"الحديثَ رواهُ البخاريُّ.
وقد تكفَّلَ اللهُ تعالى تفريجَ كربةَ الملهوفِ أن يُفرِّجَ عنهُ كربةً مِنْ كُرُباتِ يومِ القيامةِ كما روى البخاريُّ عَنِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم: "المسلمُ أخو المسلمِ لا يَظْلِمُهُ ولا يُسْلِمُهُ ومَنْ كانَ في حاجةِ أَخيهِ كانَ اللّهُ في حاجتِهِ ومَنْ فرّجَ عن مسلمٍ كربةً فرّجَ اللّهُ عنهُ كربةً من كرباتِ يومِ القيامةِ ومن سترَ مسلمًا سترَهُ اللّهُ يومَ القيامةِ".
ألمْ يقُلِ الله سبحانَهُ وتعالى: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ﴾ الآية [سورة الحجرات/10] فأينَ إخوةَ الإيمانَ حينما نرى أخانا المؤمنَ تعصفُ بهِ العواصفُ وتنـزلُ بهِ النوازلُ ونحنُ ننظرُ إليه ونتفرجُ عليهِ ولا نساندُه ولا نقفُ معهُ في مصيبتِه ومحنتِه ونبيُّنا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: "لا تَحَاسَدُوا، وَلا تَنَاجَشُوا، وَلا تَبَاغَضُوا، وَلا تَدَابَرُوا، وَكُونُوا عِبَادَ اللهِ إِخْوَانًا الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ، لا يَظْلِمُهُ وَلا يَخْذُلُهُ، وَلا يَحْقِرُهُ"رواهُ مسلمٌ.
ويقولُ عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ: "الرَّاحِمُونَ يَرْحَمُهُم الرَّحمن ارْحَمُوا مَنْ في الأرْضِ يَرْحَمْكُم منْ في السَّمَاءِ"، رَواهُ التّرْمذِيُّ وَفي رِوَايَةٍ أُخْرَى "يَرْحَمْكُمْ أَهْلُ السَّمَاءِ". ثمّ المرادُ بأهْلِ السَّماءِ المَلائِكةُ ذَكَرَ ذلكَ الحَافِظُ العِراقيُّ في أمَالِيّه عَقِيبَ هَذَا الحدِيثِ، ونصُّ عبارتِهِ: "وَاسْتُدِلَّ بقَوْلِه: "أَهْلُ السَّمَاءِ" عَلَى أنَّ المُرَادَ بِقَولِه تعالى في الآيةِ: ﴿ءأَمِنتُم مَّن فِي السَّمَآء﴾ الآية ]سورة الملك/16 [.الملائِكَةُ " اهـ، لأنَّهُ لا يُقالُ للهِ "أَهْلُ السَّمَاءِ".
إنِّ للاعتكافِ فضلا عظيمًا وأجرًا كبيرًا، كيفَ لا وقد انقطعَ المسلمُ لعبادةِ ربِّهِ، لكنَّ الذي يقضي حوائجَ الناسِ أعظمُ مِنَ المعتكفِ أجرًا كما في الحديثِ "مَنْ مشى في حاجةِ أخيهِ كانَ خيرًا له مِنَ اعتكافِ عشرِ سنينَ". رواهُ الطبرانيُّ بإسنادٍ صحيحٍ.
وكم في مجتمَعنا من أولئكَ المحتاجينَ الذينَ لا يسألونَ الناسَ، ولا يمدونَ أيديَهم عفةً وحياءً؟ فحريٌّ بأمثالِ هؤلاءِ أن يتفقدَهمُ الناسُ ويَكفُونَهم ذاَك السؤالَ، وما أحسنَ أن تتفقدَ حالَ أخيكَ وترسلَ إليه ما يحتاجُ، ولا تُحْوِجُهُ إلى السؤالِ.
إنَّ إغاثةَ الملهوفِ وإجابةَ المستغيثِ وإعانةَ المحتاجِ والسعيَ في قضاءِ حوائجِ الناسِ لهو دليلٌ على قوةِ الإيمانِ وصدقِ الإخاءِ. فأينَ نحنُ من إغاثةِ الملهوفِ ونصرةِ المظلومِ؟ أينَ نحنُ مِنْ هذا الخُلُقِ العظيمِ؟
نسألُ اللهَ تعالى أنْ يُوفقَنا لإغاثةِ الملهوفينَ ونسألُ اللهَ تعالى أنْ يُفرجَ عنهم ما هُم فيهِ