سلسلة هل تعلم حلقات الموسم الثالث - إعداد وتقديم فضيلة الشيخ الدكتور محمد الأخرس

هل تعلم أن الصدقة تكون حجابًا بين الإنسان المسلم وبين النار؟


هل تعلم أن الصدقة تكون حجابًا بين الإنسان المسلم وبين النار؟
الموسم الثالث - الحلقة السابعة عشرة
إعداد وتقديم الشيخ الدكتور محمد الأخرس

قالَ عَدِيُّ بنُ حاتمٍ سمعتُ النبيَّ عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ يقولُ:"اتّقُوا النّارَ ولَو بشِقِّ تَمْرَةٍ" مُتفَقٌ عليهِ. معنى الحديثِ أنَّ نصفَ حَبّةِ تمرةٍ واحِدةٍ قد يُعتِقُ اللهُ بهِ الشّخصَ المسلمَ مِنَ النار إذا إنسانٌ تصَدّقَ بِهِ أي مِنْ مالٍ حَلالٍ لوجهِ اللهِ تعالى مُخْلِصًا في نيّتِهِ، فكَيفَ الصّدقةُ الكبيرةُ؟!
ولكنْ ليسَ معنى الحديثِ أنَّ أيَّ إنسانٍ يُذْنِبُ ذَنبًا صَغيرًا أو كبيرًا إذا تصَدّقَ صدقةً انمحَى ذلكَ الذّنبُ كائنًا ما كانَ، بل المعنى أنّ اللهَ تعالى قَد يُعتِقُ المؤمنَ مِنَ النارِ بنِصْفِ تمرةٍ واحِدةٍ إذا تصَدّقَ بها.
اللهُ تباركَ وتعالى إذا أرادَ أن يُنقِذَ عبدَهُ المسلمَ يُنْقِذُهُ بأيِّ حسَنةٍ منَ الحسَناتِ مِنْ عذابِهِ، يمحُو عنهُ الكبيرةَ والصّغيرةَ، وقَد ذُكِرَ في حديثِ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ الذي رواهُ البخاريُّ ومسلمٌ عن أبي هريرةَ أنَّ النّبيَّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ قالَ في امرأةٍ مسلِمةٍ مِنْ بني إسرائيلَ قبلَ الرّسولِ عليهِ السَّلامُ "إنَّ امرأةً بَغِيًّا رأَت كَلبًا في يومٍ حَارٍّ يَطِيفُ ببِئرٍ قَد أدْلَعَ لِسَانَهُ مِنَ العَطشِ فنَزعَتْ لهُ بمُوقِها فغُفِرَ لها". وفي رواية البخاري: " أَنَّ رَجُلا رَأَى كَلْبًا يَأْكُلُ الثَّرَى مِنَ الْعَطَشِ ، فَأَخَذَ الرَّجُلُ خُفَّهُ، فَجَعَلَ يَغْرِفُ لَهُ بِهِ حَتَّى أَرْوَاهُ ، فَشَكَرَ اللَّهُ لَهُ ، فَأَدْخَلَهُ الْجَنَّةَ ". الرسولُ عليهِ السَّلامُ مِنْ طَريقِ الوَحْيِ يتَحدّثُ ليسَ عمَّا حصلَ في زمانِه، بل عن امرأةٍ كانَت بَغِيًّا أي زانيةً ذاتَ يومٍ وَجَدَتْ كَلبًا يَلهَثُ منَ العطَشِ أي مَدَّ لها لِسانَهُ فرَقَّ لَهُ قلبُها فأرادَتْ أن ترحَمَ لِلَّهِ تعالى هذا الكلبَ منَ العطَش الذي بلَغَهُ، فما وجَدَتْ شيئًا تَأخُذُ بهِ الماءَ منَ البِئرِ وتَسْقِي بهِ هذا الكلبَ، فخَلَعَتْ حذاءَها فأخذَتْ فيه الماءَ وسَقَتِ الكلبَ فَغَفَرَ اللهُ لها، يعني مَحَا ذَنبَ زِناها الذي كانت تتعاطاهُ.
كما قد يدفعُ اللهُ بسببِ الصدقةِ المصائبَ والبلايا قالَ عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ: "صدقةُ السرِّ تقي مصارعَ السوءِ"رواه الطبراني أي تقي مِنَ المهالكِ والبلايا والفتنِ التي هو يَكْرَهُها إن كانت صدقةً مِنْ حلالٍ. الصدقةُ كلما خَفِيَتْ عَنِ الناسِ كلمَّا كانَ ثوابُها أعظمَ الصدقاتِ، في بعضِ البلادِ الإسلاميةِ ماذا كانوا يعملُ الناسُ إذا أرادوا أن يتصدقوا؟ يجمعونَ الأشياءَ التي يُريدونَ أن يتصدقوا بها ويذهبونَ في الليلِ بعدما ينامُ الناسُ إلى بيوتِ الفقراءِ والأَراملِ والأيتامِ يضعُونَ لهم الصدقاتِ على أبوابِ البيوتِ. لِماذا يَفعلونَ ذلكَ؟ لحبِّ إخفاءِ الصدقةِ، حتى النفسُ لا تُحَدِّثُ بالرياءِ. فمن تَصَدَّقَ سِرًّا وأبعدَ هذا الأمرَ عن انتباهِ الناسِ اللهُ تعالى يحفظُهُ مِنَ المهالِكِ.
وفي الحديثِ المتفَقِ عليهِ أنَّهُ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ قَالَ: "ورجلٌ تصدَّقَ بصدقةٍ فأخفاها حتى لا تَعلمَ شِمَالُهُ ما تُنْفِقُ يمينُه" أي بحيثُ لا يرى مَنْ على شمالِه ما تُنفِقُ يدُه اليُمنى، معناهُ يُخفِي إخفاءً شديدًا صدقتَهُ عندما يُناوِلُ الفقيرَ المحتاجَ، يُبالِغُ في الإِخفاءِ بحيثُ لا يَنْتَبِهُ مَنْ على يسارِهِ حينَ يُعطِي الصدقةَ لهذا الفقيرِ المحتاجِ.
مَنْ يُخْفِي الصدقةَ التي يُنْفِقُها مِنْ مالٍ حلالٍ قَلَّتْ أو كَثُرَتْ بنيةٍ خالصةٍ لوجهِ اللهِ، اللهُ يُظِلُّهُ في ظلِّ عرشِهِ يومَ القيامةِ فلا يُصِيبُهُ أذى حَرِّ الشمسِ يومَ القيامةِ.
وفي الحديثِ الصحيحِ الذي رواهُ الطبرانيُّ "صدقةُ السرِّ تُطْفِئُ غَضَبَ الرَّبِّ" أي أن الصدقة تطفئ أثر المعصية التي يكرهها الله، و معنى "غَضَبَ الرَّبّ" ءاثار الغضبِ ليسَ معناهُ أنَّ اللهَ تعالى يَحْدُثُ في ذاتِهِ غضبٌ ثم يزولُ بالصدقاتِ، اللهُ تعالى غضبُهُ ليسَ كغضبِنا ورضاهُ ليسَ كرضانا، غضبُهُ ليسَ انفعالا يَحْدُثُ ثم يَذْهَبُ، غضبُهُ أزليٌّ أبديٌّ ليسَ كغضبِ المخلوقِ.
وروى مسلمٌ عن عائشةَ أنَّ امرأةً دخلتْ عليها ومعَها بنتينِ فأعطَتِ الأمَّ تمرةً ولكلٍّ مِنَ البنتينِ تمرةً فأكلَتْ كلُّ واحدةٍ منهما التمرةَ ونظرتا إلى أمِّهِما وكانت رفعَتِ التمرةَ إلى فيها لتأكلَها فأَشْفَقَتْ عليهما فشَقَّتْ التمرةَ وأَعْطَتْ لكلِّ واحدةٍ منهما شِقًّا قالَتْ عائشةُ فتعجبنا لِما رأينا وأخبرْنَا بذلكَ النبيَّ فقالَ: "وجبَتْ لها بهما الجنةَ" أو قالَ "أَعْتَقَتْ نفسَها بهما مِنَ النارِ".
وعن عائشةَ رضيَ اللهُ عنها أنهم ذَبَحوا شاةً فقالَ النَّبِيُّ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ: "ما بَقِيَ منها؟" قالَتْ: ما بقي منها إلا كَتِفُها، قال: "بل بَقِيَتْ كُلُّها غيرَ كتفِها" رواهُ الترمذِيُّ.
فاليومَ العملُ وغدًا الحسابُ فهنيئًا لمن التزمَ بشرعِ محمَّدٍ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ وتخلَّقَ بالخصالِ الحميدةِ وكانت ثقتُهُ باللهِ كبيرةً وكانَ مِنَ الذينَ يُنْفِقُونَ أموالَهم بالليلِ والنهارِ سرًّا وعلانيةً فهؤلاءِ لهم أجرُهم عندَ ربِّهم ولا خوفٌ عليهم ولا هم يحزنونَ.
ربّنا ءاتِنا في الدّنيا حسنةً و في الآخِرَةِ حسنةً و قنا عذابَ النارِ ربَّنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهبْ لنا من لدُنك رحمة إنّك أنت الوهاب