سلسلة هل تعلم حلقات الموسم الثالث - إعداد وتقديم فضيلة الشيخ الدكتور محمد الأخرس

هل تعلم أن الغضب مفتاح الشر؟


هل تعلم أن الغضب مفتاح الشر؟
الموسم الثالث - الحلقة الثالثة عشرة
إعداد وتقديم الشيخ الدكتور محمد الأخرس

اعلم أنَّ الرسول صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم أُعطِيَ جوامعَ الكَلِم من ربِّه سبحانَهُ وتعالى فنطقَ بجُمَلٍ يسيرةٍ أصبحتْ قواعدَ كلّيةً في صلاحِ البشريةِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم، فمِن جوامع الكَلِم التي حَوَتْ لنا كلَّ خير ونَفَتْ عنا كلَّ شرٍ ما نطق بها الرسول الكريم صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم الذي لا يَنطِقُ عن الهوى في مقالته للرجل الذي طلَب الوصية من الرسول صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم عدةَ مرات، وفي كلِّ مرةٍ يقولُ الرسولُ المعلّمُ صلَّى الله عليهِ وسلَّم: "لا تَغْضَبْ". فقدْ روى البخارِيُّ من حديثِ أبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَجُلا قالَ لِلنَّبِيِّ صلى اللهُ عليهِ وسلم: أَوْصِنِي، قال: "لا تَغْضَبْ"، فَرَدَّدَ مِرَارًا قال: "لا تَغْضَبْ".
ولأهميةِ هذه الوصيةِ العظيمةِ وتكرارِ النبي صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم لها أطالَ العلماءُ الكلامَ على هذا الحديث، واعتنوا به عنايةً شديدة، وجعلوه من الأحاديث التي ينتخبونها للحفظ والمدارسة.
قد كان النبي صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم يوصي أصحابه رضي الله عنهم بما هو مهم، وإذا سأله أحدهم وصيةً أوصاه بما ينفعه في نفسه؛ ولذلك أوصى رجلا بكثرة الذكر، وأوصى هذا بعدم الغضب.
والصحابي حين يقول للنبي صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم أوصني فهو يسأله أن يدُلَّه على بابٍ من الخير يلزمه، وقد أوصى هذا الصحابيَّ بعدم الغضب وهذا ما يدلُّ على ذمِّ الغضب وشدة فتكهِ بالإنسان في دينه ودنياه؛ ولذا جاء في بعض روايات هذا الحديث أنَّ الرجل قال: فَفَكَّرْتُ حين قال النبي صلَّى الله عليهِ وسلَّم ما قال فإذا الْغَضَبُ يَجْمَعُ الشرّ كُلَّهُ. معناه أن الرجل شكا في نفسه لماذا الرسول عليه الصَلاةُوالسَّلام ردّد عليّ هذه الكلمة "لا تغضبْ" فعرف أن الغضبَ مفتاحُ الشر.
ثم إن وصية النبيّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم لهذا الرجل ليست له وحده، بل هي لكل مَن يأتي بعده إلى يوم القيامة، فجدير بكل مسلم التخلُّق بخُلُق الرسول الكريم صلَى اللهُ عليهِ وسلَّم، وأن يَعقِل ما يقول ويتفهَّم معناه. ومما لا شك فيه أن صفة الغضب مذمومة لِما يترتَّب على وجودها من جلْب الشر وعدم إدراك الخير لأن الغضب هو غليان دم القلب طالبًا لدفع المؤذي عنه خشية وقوعه، أو طالبًا للانتقام ممن حصل منه الأذى بعد وقوعه، وينشأ عن ذلك كثير من الأفعال المُحرَّمة كالقتل والضرب وأنواع الظلم والعدوان، وكثير من الأقوال الْمُحرَّمة كالقذف والسب والفَحْش وطلاق الزوجة الذي يَعقُبه الندم وربما وصل إلى درجة الكُفْر، إلى الذنب الذي لا يغفره الله لمن مات عليه إن لم يرجع إلى الإسلام بقول لَا إلهَ إلَّا الله مُحَمَّدٌ رسولُ الله.
وكما حذَّرنا النَّبِيّ من صِفة الغضب وبيَّن أنها داءٌ مُضِر ينبغي التباعد عن الوقوع فيه، أوضح لنا عليه الصَّلاة والسَّلام كلَّ الإيضاح علاجَ هذا الداء إذا ما وقع، فهناك أسباب وعلاجات للغضب أمَر بها النَّبِيّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم ومن ذلك:
التعوذُّ باللهِ مِنَ الشيطانِ الرَّجيم حين وجودُ الغضب، فهو علاج ما أَحسَنه يدل على الاعتصام بالله والالتجاء إليه من هذا الشيطان الرجيم الذي يريد أن يُوقِع الإنسان في الرَّدَى والهلاك، ففي الحديث المتَّفَق عليه عن سليمانَ بنِ صُرَد رضي الله عنه قال: استبَّ رجلان عند النَّبِيّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم ونحن جلوس عنده، وأحدهما يَسُب صاحبَه مُغضَبًا قد احمرَّ وجهه، فقال النبي صلَى اللهُ عليهِ وسلَّم: "إني لأعلم كلمة لو قالها لذهب عنه ما يَجِد؛ لو قال: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم"، فقالوا للرجل: ألا تسمع ما يقول رسول الله صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم؟ قال: إني لست بمجنون.
ومن الأسباب المهدِّئة للغضب جلوسه إن كان قائمًا، فإن أجدى ذلك وإلا فليضّطجع كما في الحديث الذي أخرجه الإمام أحمد وأبو دَاوُد مِنْ طريق أَبِي ذَرٍّ بإسْنَادٍ صَحِيح أنَّ النَّبِيَّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم قال:" إذَا غَضِبَ أَحَدُكُمْ وَهُوَ قَائِمٌ فَلْيَجْلِسْ، فَإِنْ ذَهَبَ عَنْهُ الْغَضَبُ وَإِلَّا فَلْيَضْطَجِعْ".
ومن العلاجات النبوية لدفع حرارة الغضب أن يتوضأ أو يَغتسِل لأن الغضب هو غليان دم القلب لطلب الانتقام ولهذا تحمرُّ عيناه، فإذا سكن غليان الدم سكن الغضب عَنْ ‏ ‏أَبي وَائِلٍ الْقَاصُّ ‏قَالَ: دَخَلْنَا عَلَى ‏عُرْوَةَ بْنِ مُحَمَّدٍ السَّعْدِيِّ ‏فَكَلَّمَهُ رَجُلٌ فَأَغْضَبَهُ فَقَامَ فَتَوَضَّأَ، ثُمَّ رَجَعَ ‏فَقَالَ: حَدَّثَنِي ‏أَبِي ‏عَنْ ‏جَدِّي ‏عَطِيَّةَ ‏قَالَ: ‏قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ‏"إِنَّ الْغَضَبَ مِنْ الشَّيْطَانِ، وَإِنَّ الشَّيْطَانَ خُلِقَ مِنْ النَّارِ، وَإِنَّمَا تُطْفَأُ النَّارُ بِالْمَاءِ، فَإِذَا غَضِبَ أَحَدُكُمْ فَلْيَتَوَضَّأْ ‏" أخرجه أحمد وأبو داود.
فاتقوا الله تعالى وأطيعوه واستمسكوا بدينه والتزموا هديَ نبِيِّه صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم وتمسكوا بسنته وخذوا بوصاياه ففي ذلك صلاح الدنيا وفوز الآخرة ﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللهَ وَاليَوْمَ الآَخِرَ وَذَكَرَ اللهَ كَثِيرًا﴾ [سورة الأحزاب/21].
اللَّهُمَّ اقْسِم لَنَا مِنْ خَشْيَتِكَ مَا تَحولُ بهِ بَيْنَنَا وبَيْنَ مَعَاصِيك ومِنْ طَاعَتِكَ مَا تُبَلِّغُنا بِهِ جَنَّتك