سلسلة هل تعلم حلقات الموسم الثالث - إعداد وتقديم فضيلة الشيخ الدكتور محمد الأخرس

هل تعلم أن الإحسان إلى اليتامى من أعظم البرّ؟


هل تعلم أن الإحسان إلى اليتامى من أعظم البرّ؟
الموسم الثالث - الحلقة الثانية عشرة
إعداد وتقديم الشيخ الدكتور محمد الأخرس

إن الإحسان إلى اليتامى من أعظم البر ولقد أمر الله تعالى بالإحسان إلى اليتيم في أكثر من ءاية من كتابه الكريم فقال الله عزّ وجلّ : ﴿وَاعْبُدُواْ اللَّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى﴾ الآية [سورة النساء/36] وقال عزَّ وجلَّ: ﴿وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلَاحٌ لَّهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ﴾ الآية [سورة البقرة/220].
قال ابن منظور في "لسان العرب": اليُتْم واليَتَم: فِقدان الأب؛ وقال ابن السِّكيت: اليُتم في الناس من قِبَل الأب، ولا يُقال لِمَن فقَد الأمَّ من الناس يتيمًا؛ قال الليث: اليتيم الذي مات أبوه، فهو يتيم حتى يَبلغ، فإذا بلَغ زال عنه اسم اليَتيم .
وقد جعل الله تعالى الإحسان إلى اليتامى قربة من أعظم القربات ونوعًا عظيمًا من البرِّ ، فقال: ﴿لَّيْسَ الْبِرَّ أَن تُوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ ءَامَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلآئِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيّينَ وَءاتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى﴾ الآية [سورة البقرة/177].
أما رسول الله فقد بلغ من عنايته باليتيم أن بشر كافليه بأنهم رفقاؤه في جنة عرضها السموات والأرض كما أخرجه البخاري عن سهل بن سعد حين قال صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم: "أنا وكافل اليتيم في الجنة هكذا" وأشار بالسّبابة والوسطى وفرّج بينهما شيئًا. ويكفي في إثبات قُرب المنـزلة من المنـزلة، أنه ليس بين الوسطى والسبَّابة أصبع أخرى، وقد وقَع في رواية عند الطبراني: "معي في الجنة كهاتين" يعني المسبِّحة والوسطى وقد قال ابن بطال: "حق على من سمع هذا الحديث أن يعمل به ليكون رفيق النبي في الجنة، ولا منـزلة أفضل من ذلك".
وفي مسند الإمام أحمد عن أبي أُمامة رضي الله عنه أن رسول الله صلَّى اللهث عليهِ وسلَّم قال: "من مَسَحَ رأسَ يتيمٍ لم يمسحه إلا لله كان له في كل شعرة مرَّت عليها يدُهُ حسنات" . الحنوّ على اليتامى يذهب قسوة القلب، فقد شكا رجل إلى النبيِّ قسوة قلبه فأوصاه أن يمسح رأس اليتيم.
هل تجد في قلبك قسوة وتريد أن يذهبها الله؟ هل تريد أن تكون رفيق النبيّ في الجنة؟ هل تريد أن تكسب مئات الحسنات بعمل يسير جدا؟ إذا أردت ذلك كله فكن لليتيم مكان والده، أحسن إليه، اقترب منه، ابتسم له، امسح رأسه، طيب خاطره، أدخل البسمة على روحه. فكما أوصى الله تعالى بالإحسان إلى اليتيم كذلك لا يجوز أكل ماله ظلمًا، ولو تصدّق به على سائل فحرام على السائل أخذه. فأكل مال اليتيمِ مُحرَّمٌ للنصّ قال الله تعالى: ﴿إنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا﴾ [سورة النساء/10] بعدها أتبعها بقوله ﴿وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا﴾ [سورة النساء/10] أي هؤلاء يدخلون جهنم السّعير.
كما ورد عن رسول الله صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم في الحديث الصحيح "إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما أفواههم تتأجج نارا" نار حقيقيةٌ تخرج من فمه ذلك اليوم. ذلك اليوم تظهر فيه العجائب والشدة الشديدة هذا معنى قوله تعالى: ﴿يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ﴾ الآية [سورة القلم /42].الساق في لغة العرب في مثل هذا الموضع الشدة الشديدة ليس معنى الآية أن الله يكشف عن ساقه، من لا يفهم لغة العرب الأصلية التي نزل بها القرءان، لا يعرف التمييز بين الحقيقة والمجاز فيفسر القرءان على الظاهر فيعتقد أن الله جسم. والله منـزه عن الجسمية، لا هو جسم كثيف ولا هو جسم لطيف. يقول الله تعالى: ﴿أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَى (6) وَوَجَدَكَ ضَآلًّا فَهَدَى (7) وَوَجَدَكَ عَآئِلًا فَأَغْنَى (8) فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ (9) وَأَمَّا السَّآئِلَ فَلَا تَنْهَرْ (10) وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ﴾ [سورة الضحى/11] الخطاب في قوله ﴿أَلَمْ يَجِدْكَ﴾ للنبي صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم.
أخبرنا الله تعالى في هذه الآيات أن الرسول صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم كان يتيما، فإنه عليه الصَّلاة والسَّلام عاش من غير أم ولا أب فكفله جده عبد المطلب ثم مات وهو في السنة الثامنة من عمره صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم ثم كفله عمه أبو طالب. ثم إن الله سبحانه وتعالى أكرمه فيسَّر له زوجة صالحة وهي أم المؤمنين خديجة رضي الله عنها تزوجها وله خمس وعشرون من العمر ولها أربعون سنة وكانت حكيمة عاقلة صالحة رزقه الله منها أولاده كلهم من بنين وبنات إلا إبراهيم. الله يسر له خديجة رضي الله عنها وقامت بشئونه ولم يتزوج سواها صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم حتى ماتت.
أكرمه الله عزَّ وجلَّ بالنبوة فدعا إلى الله وبشَّر وأنذر وتبعه الناس. فكان هذا اليتيم الذي يرعى الغنم إماما لأمة هي أعظم الأمم، وكان راعيا لهم عليه الصَّلاة والسَّلام، راعيا للبشر ولهذه الأمة العظيمة.
اللّهُمَّ إنّا نسألُكَ حبَّكَ وحُبَّ مَنْ يحبُّكَ والعمَلَ الذي يبلّغُنَا حُبَّكَ.