سلسلة هل تعلم حلقات الموسم الثالث - إعداد وتقديم فضيلة الشيخ الدكتور محمد الأخرس

هل تعلم أن رسول الله كان طويل الصمت قليل الضحك وضحكه كان تبسمًا؟


هل تعلم أن رسول الله كان طويل الصمت قليل الضحك وضحكه كان تبسمًا؟
الموسم الثالث - الحلقة العاشرة
إعداد وتقديم الشيخ الدكتور محمد الأخرس

روى مسلم عن أنس رضي الله عنه قال: صلَّى بنا رسول الله صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم ذات يوم، فلما قضى الصَّلاة أقبل علينا بوجهه، فقال "أيها الناس إني إمامكم، فلا تسبقوني بالركوع ولا بالسجود، ولا بالقيام ولا بالانصراف، فإني أراكم أمامي ومن خلفي" ثُمَّ قال "والذي نفس مُحَمَّدٍ بيده، لو رأيتم ما رأيت لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيرا" قالوا: وما رأيت يا رسول الله؟ قال "رأيت الجنة والنار". معناه لو تعلمون ما أعلم أنا من أمور القبر وأمور الآخرة كان قل ضحككم وكثر بكاؤكم، معناه لو كنتم تعلمون ماذا يوجد في القبر من أهوال القبر وماذا يوجد في الآخرة من العذاب والعقوبات كنتم تمشون في الطرقات وأنتم تصرخون من الهول من الخوف وما كنتم تضحكون، لكنكم لا تعلمون ما أعلم أنا مما يحصل في القبر وفي الآخرة.
ثم مراد الرسول بهذا الحديث النهي عن كثرة الضحك لأن كثرة الضحك يميت القلب معناه تجلب الغفلة، وهذا المعنى يدركه من عنده قلبٌ منَّور. لا بد أن نقتدي برسول الله صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم، فالذي قلبه منوّر يفهم أن كثرة الضحك يميت القلب. أما غيره لا يفهم، يقول: لماذا؟ كيف يميت القلب كثرة الضحك؟ لا يفعل، فلا ينتهي.
وأما التبسم فكان سمتاً معروفاً في وجهه وشخصه صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم، كان إذا سُرَّ استنار وجهه كأنه قطعة قمر. وكان يَبشُّ لأصحابه كما في الصحيحين عَنْ جَرِيرٍ رضي الله عنه قَالَ: "مَا حَجَبَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُنْذُ أَسْلَمْتُ وَلا رَءانِي إِلا تَبَسَّمَ فِي وَجْهِي"، وهذا من حسن معاشرته لأهله وأصحابه.والحاصل مما سبق أن التبسم مطلوب وهو من أخلاق المؤمنين، وقد كان هذا هو أغلب أحواله صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم. والنبيُّ عليه الصَّلاة والسَّلام لم يكن يحثهم على كثرة البكاء بقوله: "لبكيتم كثيرا" وإنما أراد تذكيرهم بأهوال اليوم الآخر وما أعد في النار من عذابها وأنكالها مما يستدعي الهم والحزن.
ومن أعظم سياقات هذا الحديث ما رواه الترمذي بإسناد صحيح عن أبي ذر رضي الله عنه عن النبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم أنه قال: "إِنّي أَرَى مَا لا تَرَوْنَ وَأَسْمَعُ مَا لا تَسْمَعُونَ، أَطَّتْ السَّمَاءُ وَحُقَّ لَهَا أَنْ تَئِطَّ، مَا فِيهَا مَوْضِعُ أَرْبَعِ أَصَابِعَ إِلا وَمَلَكٌ وَاضِعٌ جَبْهَتَهُ سَاجِدًا لِلَّهِ، وَاللَّهِ لَوْ تَعْلَمُونَ مَا أَعْلَمُ لَضَحِكْتُمْ قَلِيلا، وَلَبَكَيْتُمْ كَثِيرًا، وَمَا تَلَذَّذْتُمْ بِالنِّسَاءِ عَلَى الْفُرُشِ، وَلَخَرَجْتُمْ إِلَى الصُّعُدَاتِ تَجْأَرُونَ إِلَى اللَّهِ".
فقوله صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم: "إني أرى ما لا ترون" أي أبصر ما لا تبصرون .وقوله "أطَّت السماء": أي صوَّتت، أي أصدرت صوتًا. وأطيط الإبل: أصواتها وحنينها. "وحُقَّ" أي ويستحق وينبغي "لها أن تئط" أَيْ تُصَوِّتَ. "ما فيها موضع أربع أصابع إلا ومَلَك واضع جبهته لله ساجدًا" الرسول يخبرنا أن السموات السبع كلها ما فيها موضع أربع أصابع فارغ إلا وهو مشغول بالملائكة، بعضهم قائمون وبعضهم راكعون وبعضهم ساجدون، قال تعالى حكاية عنهم: ﴿وَمَا مِنَّآ إِلَّا لَهُ مَقَامٌ مَّعْلُومٌ﴾ [سورة الصافات/164] فكلُّ الملائكة لهم مَقَامٌ معلوم، حملةُ العرش الملائكة الأربعةُ الذينَ يحملونَ العرشَ على أكتافهم مِنْ حيثُ عُلُوُّ المكان هؤلاء أَرْفَعُ أما مِنْ حيثُ الدرجةُ عند الله فجبريل أعلى درجة ومَعَ ذلك لا يتجاوَزُ سِدْرَةَ المنتهى. العرش أعلى لكنْ من حيثُ الدرجةِ جبريلُ أَعلى من الجميع ومع ذلك اللهُ تعالى جَعَلَ له حدًا لا يتجاوزُهُ، لا يتجاوَزُ سِدْرَةَ الْمُنْتَهَى. وهذه سدرة المنتهى مكان يَنْتَهي إليها مَا يُهْبَطُ به مِنْ فوقها وينتهي إليها ما يُصْعَدُ بهِ إليها، معناه أن الملائكة الصاعدين ينتهون إليها والنازلون من فوق هناك محطتهم. "إلى الصُّعُدات" أي الطرق، وقيل المراد الصُّعُدات هنا البراري والصحاري. "تجأرون إلى الله" أي تتضرعون إليه بالدعاء ليدفع عنكم البلاء.
مَنْ عَلِمَ أنَّ الموت مورده، والقيامة موعده، والوُقوف بين يدي الله مشهده، فحقّه أنْ يطُول في الدُّنيا حزنه. إن الله تبارك وتعالى وعد وتوعّد، وعدَ عباده المتقين بجنةٍ عرضُها السمواتُ والأرض، وعدَهم بنعيم أبديّ لا يزول، وعدَهم بنعيمٍ لا يُكدِّر صفوَهُ هَرَمٌ ولا مَرَضٌ ولا مَوتٌ. وتوعدّ عبادَهُ المجرمين بنارٍ لا تُبْقي ولا تذر أجارَنا الله وإياكم من عذابها. فاحرصوا على التزام الطريق الذي يقودُ إلى هذه السعادةِ الأبديةِ، احرصوا على التزامِ الطريق الذي يُنجيكم من الشّقَاوَةِ الأبدية.
اللَّهُمَّ أصلحْ لنا دينَنَا الذِي هُوَ عِصْمَةُ أَمْرِنَا، وأصلحْ لنا دُنيانَا الَّتِي فيهَا معاشُنَا، وأصلحْ لنا ءاخِرَتَنَا التي فيها معادُنَا.