سلسلة هل تعلم حلقات الموسم الثاني - إعداد وتقديم فضيلة الشيخ الدكتور محمد الأخرس

هل تعلم كيف كان عليه الصلاة والسلام؟


هل تعلم كيف كان عليه الصلاة والسلام؟
الموسم الثاني - الحلقة الثلاثون
إعداد وتقديم الشيخ الدكتور محمد الأخرس

كان صلى اللهُ عليهِ وسلَّمَ أجودَ الناسِ وكانَ أَجودَ ما يكونُ في رمضانَ،وكان صلى اللهُ عليهِ وسلَّمَ أَحسنَ الناسِ خَلقًا وخُلُقًا، وأَلينَهُم كَفًّا، وأَطْيَبَهُم رِيحًا، وأَكملَهُم حُجَّةً، وأَحْسَنَهُم عِشْرَةً أي في حُسْنِ صُحبَةِ مَنْ يُصَاحِبُهُ ويُعاشِرُهُ، لا يحسِبُ جليسُهُ أي مَنْ يُجالِسُهُ أنَّ سواهُ أقربُ إليهِ منهُ لعِظَمِ إكرامِهِ لَهُ فكانَ على الغايةِ مِنَ التواضُعِ وقلةِ النفورِ والخلافِ.
وكان أشجعَهم أي أقواهم قلبًا وأكثرَهم جَراءةً ، وأعلمَهم باللهِ، وأشدَّهم للهِ خَشيةً، ولا يَغْضَبُ لنفسِهِ، ولا ينتقِمُ لها، وإنما يغضَبُ إذا انتُهِكَتْ حُرُماتُ اللهِ عَزَّ وجلَّ فحينئذٍ يغضَبُ ولا يقومُ لغضبِهِ شىءٌ حتى ينتصِرَ للحقِّ.
وكان خُلُقَهُ القرءانُ ويتأدَّبُ بآدابِهِ ويلتزمُ أَوامرَهُ ومعناهُ أنَّ كُلَّ خَصلةِ خَيرٍ أَمرَ اللهُ في كتابِهِ بالتخلُّقِ بها كانَ ذلكَ خُلُقَ رسولِ اللهِ عليه أفضل الصلاة والتسليم.
وكانَ أكثرَ الناسِ تواضعًا ، يقضِي حاجةَ أهلِهِ، ويَخفِضُ جناحَهُ للضَّعَفَةِ، وما سُئِلَ شيئًا قَطُّ يعني حاجةً مِنْ مَتاعِ الدنيا يُباحُ إعطاؤُهُ فقالَ لا.
وكان أحلمَ الناسِ وأرغبَهم في العفوِ مع القدرةِ، وكان أشدَّ حياءً من العذراءِ في خِدْرِها، والقريبُ والبعيدُ والقويُّ والضعيفُ عندَهُ في الحَقِّ سواءٌ.
وما عابَ طعامًا قطُّ، إنِ اشتهاهُ أكلَهُ وإلا تركَهُ، ولا يأكلُ مُتَّكِئًا ولا على خِوانٍ أي ما يؤُكلُ عليهِ، ويأكلُ ما تَيسَّرَ، ولا يَمتنعُ من مُباحٍ ما.
وكانَ يُحِبُّ الحلواءَ والعسلَ، ويُعْجِبُهُ الدُبَّاءُ - وهو اليَقْطِينُ – وقالَ عليهِ الصلاةُ والسلامُ: "نِعمَ الإدامُ الخَلُّ" رواهُ الترمذِيُّ، وكانَ أحبُّ الشاةِ إليهِ الذراعَ، وقالَ أبو هريرةَ رَضِيَ اللهُ عنهُ كما رواهُ البُخارِيُّ: "خَرَجَ رسولُ اللهِ صلى اللهُ عليهِ وسلَّمَ مِنَ الدنيا ولم يَشْبَعْ مِنْ خُبْزِ الشعيرِ" يعني للعُدْمِ وكانَ يأتي الشهرُ والشهرانِ ولا يُوقَدُ في بيتٍ من بُيوتِهِ نارٌ.
كانَ يأكلُ الهديةَ ولا يأكلُ الصدقةَ، ويُكَافِئُ على الهديةِ، ويَخْصِفُ النعلَ أي يُصْلِحُ نعلَهُ إذا خَرِبَتْ، ويَرْقَعُ الثوبَ، ويعودُ المريضَ أي يزورهم، ويُجِيبُ مَنْ دَعاهُ مِنْ غَنيٍّ وفقيرٍ ودنيٍ ّوشريفٍ ولا يحقِرُ أحدًا.
وكان يقعُدُ تارةً القُرفصاءَ، وتارةً مُتَرَبِّعًا، واتَّكَأَ في أَوقاتٍ، وفي كثيرٍ من الأوقاتِ أو في أكثرِها مُحْتَبِيًا بيدَيْهِ.
وكان يتكلمُ بجوامعِ الكَلِمِ أي كلامُهُ كثيرُ المعاني قليلُ الأَلفاظِ، وهو في غايةِ الفصاحةِ. ويُعيدُ الكلمةَ ثلاثًا لتُفْهَمَ، وكلامُهُ بَيِّنٌ يَفْهَمُهُ مَنْ سَمِعَهُ، ولا يَتكلَّمُ مِنْ غيرِ حاجةٍ، ولا يَقْعُدُ ولا يقومُ إلا على ذكرِ اللهِ تعالى.
وركبَ الفَرسَ والبَعيرَ والحمارَ والبغلةَ، وأردفَ مُعاذًا خلفَهُ على ناقةٍ وعلى حمارٍ، ولا يدعُ أحدًا يمشي خلفَهُ.
وعَصَبَ على بطنِهِ الحجرَ مِنَ الجوعِ، وكانَ يبيتُ هو وأهلُهُ اللياليَ طاوِينَ؛ وفراشُهُ مِنْ أَدَمٍ حَشْوُهُ من لِيفٍ.
وكان مُتَقَلِّلاً مِنْ أمتعةِ الدنيا كلِّها، وقد أَعطاهُ اللهُ تعالى مفاتيحِ خزائنِ الأرضِ كلِّها فأبى أن يأخذَها واختارَ الآخرةَ عليها.
وكانَ كثيرَ الذّكْرِ، دائمَ الفكرِ، جُلُّ ضَحِكِهِ التبسمُ، وضَحِكَ في أوقاتٍ حتى بَدَتْ نَوَاجِذُهُ وهي الأنيابُ.
ويُحِبُّ الطِّيْبَ ويَكْرَهُ الريحَ الكريهةَ، ويمزحُ ولا يقولُ إلا حقًّا، ويَقبلُ عذرَ المعتذرِ إليهِ، وكانَ كما وصفَهُ اللهُ تعالى ﴿لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ﴾ [سورة التوبة ءاية 128] وقالَ تعالى: ﴿وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاَتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ﴾ [سورة التوبة ءاية 103] ويأمرُ بالرفقِ، ويحثُّ عليهِ، وينهى عن العنفِ، ويحثُّ على العفوِ والصفحِ ومكارمِ الأخلاقِ.
ويُحِبُّ التيمَنَّ في طُهُورِهِ وتَنَعُّلِهِ وتَرَجُّلِهِ وفي شَأْنِهِ كُلِّهِ، وكانَتْ يدُهُ اليُسرى لخلائِهِ وما كانَ مِنْ أَذى.
وإذا نامَ أو اضطجعَ اضطجعَ على جنبِهِ الأيمنِ مستقبلَ القبلةِ، وكانَ مجلسُهُ مَجلِسَ حلمٍ وحياءٍ وأَمانةٍ وصِيانَةٍ وصَبرٍ وسَكِينةٍ ولا تُرفَعُ فيهِ الأَصواتُ ولا تُؤَبَّنُ فيهِ الحُرَمُ أي لا تُذكَرُ فيهِ النساءُ بقَبيحٍ بل يتفَاضَلُونَ فيهِ بالتقوى ويَتَواضَعُونَ، ويُوَقَّرُ الكبارُ ويُرحَمُ الصغارُ ويُؤْثِرُونَ المحتاجَ ويَحفظونَ الغريبَ، ويَخرجُون أدلةً على الخيرِ.
وكان يُكرمُ كريمَ كلِّ قومٍ ويُوَلِّيهِ أمرَهُم، ويَتَفَقَّدُ أَصحابَهُ، ولم يكن فاحِشًا ولا مُتَفَحِّشًا، ولا يَجزي بالسيئةِ السيئةَ، بل يعفو ويَصفحُ ولم يضرِبْ خادمًا ولا امرأةً وما خُيِّرَ بينَ أَمرينِ إلا اختارَ أيسرَهما ما لم يكن إثمًا.
ودلائلُ كلِّ ما ذكرتُهُ في الصحيحِ مشهورةٌ، فقد جمعَ اللهُ سبحانَهُ وتعالى لَهُ صلى اللهُ عليهِ وسلَّمَ كمالَ الأخلاقِ ومحاسنَ الشيمِ وما فيهِ النجاةُ والفوزُ وهو أميٌّ لا يقرأُ ولا يَكتُبُ ولا مُعَلِّمَ لهُ مِنَ البشرِ، وءَاتاهُ اللهُ ما لم يُؤتِ أَحدًا مِنَ العالمينَ، واختارَهُ على جميعِ الأَوَّلِينَ والآخِرِينَ، صلواتُ اللهِ عليهِ وسلامُهُ دائمَينِ إلى يومِ الدينِ.
وقد ثَبَتَ في صحيحِ البخاري عن أَنسِ بنِ مالكٍ رَضِيَ اللهُ عنهُ قالَ: "ما مَسَسْتُ دِيباجًا ولا حَرِيرًا أَلينَ مِنْ كَفِّ رسولِ اللهِ صلى اللهُ عليهِ وسلَّمَ ولا شَمَمْتُ رائحةً قطُّ أَطيبَ مِنْ رائحةِ رسولِ اللهِ، ولقد خَدَمْتُ رسولَ اللهِ صلى اللهُ عليهِ وسلَّمَ عشرَ سنينِ فما قالَ لي قَطُّ: أُفٍّ، ولا قالَ لشىءٍ فعلتُهُ: لِمَ فعلتَهُ؟ ولا لشىءٍ لم أفعلْهُ: ألا فعلتَ كذا".