سلسلة هل تعلم هل تعلم؟ - سلسلة حلقات الهجرة المباركة - إعداد وتقديم فضيلة الشيخ الدكتور محمد الأخرس

هل تعلم انه كان في الهجرة النبوية حكمة عظيمة؟


هل تعلم انه كان في الهجرة النبوية حكمة عظيمة؟
إعداد وتقديم الشيخ الدكتور محمد الأخرس

أما بعد فلا بد ونحن نتحدث عن الهجرة النبوية الا أن نذكر السّابقِين الأوّلين الذين مدحَهُمُ اللهُ تعالى في القرآن الكريم بقوله:" والسّابِقُونَ الأوّلُون منَ المُهَاجِرينَ والأنصار والذينَ اتّبَعُوهُم بإحسانٍ رضيَ الله عنهُم ورَضُوا عنه" هؤلاء كلُّهم أولياء الله.
وإن مِن أوّل من ءامَن بالنبي عليه الصلاة والسلام بعد بعثته سيدنا أبو بَكر وسيدنا عليّ، أما سيدنا عمرُ وسيدنا عثمانُ فبَعدَ ذلك، رضي الله عنهم أجمعين، لكنّ الكلَّ لازَمُوا رسولَ الله مُلازمَةً طويلةً. ومِن الصّحابة مَن لم يُلازِمْه مُدّةً طَويلةً لكنّ اللهَ رَزقَه همّةً عَاليةً وإقبالاً كُلّيًّا كأبي هريرة الذي رَوى أحاديثَ كثيرة عن رسولِ الله، فقد جمَع مِن رسولِ الله ما لم يجمَعْه كثيرٌ منَ الذينَ أسلَمُوا قَبْلَه.
ولقد كان في الهجرة النبوية حِكمة عظيمة، فما مضى على الرّسول بعد أن ترَك مكة وخرَج إلى المدينة ثمان سنوات حتى عاد إليها فاتحا مكّة بجيش يبلُغ عدَده عشَرة آلاف مسلم. فنصرَ اللهُ نبِيّه محمَّدًا وهزَم الأحزاب والمشركين.
الرسولُ كانَ وحْدَه يَدعُو إلى الإسلام، أهلُ مكّة أهلُ بلَده كانوا مشركين يَعبُدون الأوثانَ، وكذلك سائر الجزيرةِ العربية كانوا على الكفر، كلّ قَريةٍ في جزيرة العرب كان لهم طَاغُوتٌ يَعبُدونَه مِن دون الله. يَدخُل الشّيطان في شخص فيتَكلّم على لسَانِه فيَخضَعُونَ له فكان لا يهون عليهم ترك ما تعودوه مع ءابائهم وأجدادهم من عبادة الأوثان.
أمّا أهلُ المدينة فقِسمٌ كبيرٌ منهم أسلَموا قبلَ أن يَذهَب الرسولُ إلى المدينة وهو عليه السلام بمكة كانوا يأتُون في موسم الحج، الحجّ كان عندَ المشركين عَادةً متّبَعَة لأنّ أجْدادَهُم المسلمين كانوا يحُجّون. فهم كانوا يَعبُدونَ الأوثان ويَحُجّون فكانَ أهلُ الآفاقِ منَ الجزيرة العربية يأتُون في الموسم إلى مكة وكانَ الرّسولُ في الموسم يَدُور بين النّاس ويقولُ لهم أيّها الناس قولوا لا إله إلا الله تُفلِحُوا، فيسلم منهم من هدى الله قلبه للإيمان وأما أكثر المشركين فكانوا عندما يسمَعون منه كلمةَ لا إله إلا الله يَصعُب ذلك عليهم لأنّ معناه اتركُوا هذه الأوثانَ التي تَعبدُونها.
فالرسولُ بعدَ أن قضى سنين بين الكفار يدعوهم إلى الله، خرَج إلى المدينة بوحي من الله. أُرِيَ المدينةَ بالمنام ومَنامُ الأنبياء وحْيٌّ. أراهُ اللهُ بالمنام أنّ الأرض التي يهاجِر إليها صفَتُها كذا، فهاجَر إلى المدينة وأقامَ فيها ثماني سنَوات، ثم رجَع إلى مكة ومَعه المهاجِرونَ الذين خرَجُوا مِن مكةَ كما هو خرَج والأنصار الذين هم مسلمو المدينة المنورة وغيرهم من مسلمي الأقطار.
مِن أجلِ تَأييدِ رسولِ الله هاجر مؤمنو مكة من بلدهم من بين كفار بلدهم، ثم منهم مَن ترَك لهم مالَهُ، الكفّار قالوا له لا نتَركُك، قال لهم إن ترَكتُ لكُم مَالي، قالوا إذن نَتركُك، فتجَرّدَ مِن ماله وخَرج بنَفسه ابتغاءَ مَرضاةِ الله، وهو صُهَيْبٌ الرُّوْمِيّ.
ومنهُم مَن لقِيَ مِن الكفار غيرَ ذلك من الأذى الشديد حتى إن منهُم امرأةً تسَمّى أمّ كُلثوم بنت عُقبَة بنِ أبي مُعَيط هذه كانت مؤمنةً وأبوها كانَ مِن رؤوس الكفر مِن الذين كانوا شَدِيدي الأذى على رسولِ الله، هذه أم كلثوم خرَجَت لتَسْلَم بدِينِها، خرَجَت وَحْدَها مِن مَكّة إلى المدينة ولم يكن معَها رَفيقٌ. واللهُ تعالى سَلّمَها فوصلَت سالمة.
ختاما، هذه بعض الصور التي رافقت هجرةَ النبي محمد عليه الصلاة والسلام والتي تدفعنا إلى النَّظَرِ في التاريخِ ودُروسِهِ، والتَعَمُّقِ في عِبَرِهِ ونتائجِهِ لاستِخلاصِ المنافِعِ التي تَجعَلُنا نَفهَمُ حاضِرَنا وواقِعَنا.