سلسلة هل تعلم هل تعلم؟ - سلسلة حلقات رحلة العمر الحج - إعداد وتقديم فضيلة الشيخ الدكتور محمد الأخرس

مجمع عظيم وموقف جسيم


مجمع عظيم وموقف جسيم
إعداد وتقديم الشيخ الدكتور محمد الأخرس

أما بعد فقَدِ اسْتَحْسَنَ بَعْضُ العُلَمَاءِ أَنْ يَقُولَ فِي مَسِيـرِهِ لِعَرَفَةَ:«اللَّهُمَّ إِلَيْكَ تَوَجَّهْتُ وَلِوَجْهِكَ الكَرِيـمِ أَرَدتُ، فَاجْعَلْ ذَنْبِي مَغْفُورًا وَحَجِّي مَبْـرُورًا وَارْحَمْنِي وَلَا تُـخَيِّبْنِي إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَىْءٍ قَدِيرٌ». وَيُكْثِرُ مِنَ التَّلْبِيَةِ.
وَمِنَ السُّنَّةِ أَنْ يَغْتَسِلَ للوقوف بعرفة، وأن َيَدْخُلَ بَعْدَ الزَّوَالِ وَيَنْبَغِي أَنْ يَبْقَى فِي الـمَوْقِفِ حَتَّى تَغْرُبَ الشَّمْسُ فَيَجْمَعَ فِي وُقُوفِهِ بَيْـنَ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ. وَيَـحْصُلَ الفَرْضُ بِالوُقُوفِ وَلَوْ لَـحْظَةً فِي ذَلِكَ الوَقْتِ، وَيُـجْزِئُ بِأَيِّ جُزْءٍ مِنْ أَرْضِ عَرَفَةَ وَلَوْ كَانَ عَلَى ظَهْرِ الدَّابَّةِ أَوِ الشَّجَرَةِ فِيمَا بَيْـنَ زَوَالِ شَـمْسِ اليَوْمِ التَّاسِعِ وَطُلُوعِ الفَجْرِ وَلَوْ كَانَ مَارًّا لَمْ يَـمْكُثْ فِيهَا أَوْ كَانَ نَائِمًا، وَيَصِحُّ وُقُوفُ الـحَائِضِ وَالـجُنُبِ.
وَالأَفْضَلُ لِلرِّجَالِ أَنْ يَقِفُوا فِي مَوْقِفِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَ الصَّخَرَاتِ الكِبَارِ الـمُفْتَـرِشَةِ أَسْفَلَ جَبَلِ الرَّحْمَةِ وَهُوَ الـجَبَلُ الَّذِي بِوَسَطِ أَرْضِ عَرَفَاتٍ، وَلِلنِّسَاءِ حَاشِيَةُ الـمَوْقِفِ الأَطْرَافُ أَيْ أَطْرَافُ عَرَفَاتٍ حَتَّى لَا يُزَاحِمْنَ الرِّجَالَ.
وَيُسَنُّ كَوْنُ كُلٍّ مُتَطَهِّرًا خَاشِعًا فَارِغَ القَلْبِ مُسْتَقْبِلًا القِبْلَةَ مُتَبَاعِدًا عَنِ الـحَرَامِ وَالشُّبَهِ فِي طَعَامِهِ وَشَرَابِهِ وَلِبَاسِهِ وَمْرَكُوبِهِ. مُكْثِرًا مِنَ التَّهْلِيلِ وَالتَّسْبِيحِ وَالتَّكْبِيـرِ وَالصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ وَالِاسْتِغْفَارِ وَالدُّعَاءِ وَالتِّلَاوَةِ وَلَا سِيَّمَا سُورَةَ الـحَشْرِ ((لِشِدَّةِ الزَّحْمَةِ))، وَلَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الـمُلْكُ وَلَهُ الـحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَىْءٍ قَدِيرٌ، وَيَفْتَتِحُ دُعَاءَهُ بِالـحَمْدِ وَالتَّمْجِيدِ للهِ تَعَالَى وَالتَّسْبِيحِ وَالصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ عَلَى النَّبِيِّ وَيَـخْتِمُهُ بِـمِثْلِ ذَلِكَ. فَهُنَاكَ تُسْكَبُ العَبَـرَاتُ وَتُسْتَقَالُ العَثَرَاتُ وَتُرْجَى الطَّلَبَاتُ وَإِنَّهُ لَمَجْمَعٌ عَظِيمٌ وَمَوْقِفٌ جَسِيمٌ يَـجْتَمِعُ فِيهِ خِيَارُ عِبَادِ اللهِ الـمُخْلِصِيـنَ وَخَوَاصِّهِ الـمُقَرَّبِيـنَ وَهُوَ أَعْظَمُ مَـجَامِعِ الدُّنْيَا. ثَبَتَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَا مِنْ يَوْمٍ أَكْثَرَ مِنْ أَنْ يُعْتِقَ اللهُ تَعَالَى فِيهِ عَبْدًا مِنَ النَّارِ مِنْ يَوْمِ عَرَفَةَ». وَعَنِ الفُضَيْلِ بنِ عِيَاضٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّهُ نَظَرَ إِلَى بُكَاءِ النَّاسِ بِعَرَفَةَ فَقَالَ: «أَرَأَيْتُمْ لَوْ أَنَّ هَؤُلَاءِ صَارُوا إِلَى رَجُلٍ وَاحِدٍ فَسَأَلُوهُ دَانِقًا»، وَالدَّانِقُ هُوَ سُدُسُ الدِّرْهَمِ، قَالَ: «أَرَأَيْتُمْ لَوْ أَنَّ هَؤُلَاءِ صَارُوا إِلَى رَجُلٍ وَاحِدٍ فَسَأَلُوهُ دَانِقًا أَكَانَ يَرُدُّهُمْ؟» قِيلَ: لَا، قَالَ: «وَاللهِ لَلْمَغْفِرَةُ عِنْدَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ أَهْوَنُ مِنْ إِجَابَةِ رَجُلٍ لَـهُمْ بِدَانِقٍ». اللّهُمَّ قِنا عَذابَكَ يومَ تَبْعَثُ عِبادَكَ، اللَّهُمَّ قِنَا عَذابَكَ يومَ تَبْعَثُ عِبادَكَ.